أنا الان ابنة الواحد والعشرون ربيعاً، طالبة جامعية في سنتها الثالثة لم أرى الكثير بعد لتكون لي نظرة شمولية عن ماهية الحياة بحذافيرها، الا أنني اعتبر نفسي تلك الفتاة الواعية التي اجبرتها الحياة على التخلي عن طفولةٍ خُلقت للأطفال واضطرارها لأن تكون ناضجة قبل أوانها. ترعْرعتُ دون أبٍ في اول خمسِ اعوامٍ وكم كان مراً لاذعاً أن ارى جميع اقراني بجوار اوليائهم باستثنائي -باستثنائي انا- ، فرغم جهود والدتي العزيزة في ان تُشعرني باني لا اقِّل عنهم قط الا أن هذا الالم مازال رفيق قلبي الى الان. ادامها الله لي وامدها بعمر طويل، لها الفضل لكل شيء اصبحت به الى الان فهي تلك اليد التي تُربِّت في التعب وتكون المعطاء على الدوام بكل ما لديها وانني اراها تحاول اخفاء خوفها الدائم علينا لعدم زلزلة صورة المرأة الجبارة التي رسمتها في عقولنا منذ الطفولة لتكون مثالاً نصبو له.
إن ما مررت به يجعلني فخورة جدا بالروح القوية التي تقطن في جسدي التي ما زالت تحاول وتحاول في ظل كل القيود العائلية التي تكاد تكون قاتلة. فبرغم تلك الروح الصابرة الا انني لا انكر لحظات الضعف التي كانت تغلبني في احيان كثيرة فاجلس خلوةً في نفسي ويصبح الصراع الداخلي سيد الموقف، اذ تطرأُ علي تساؤلات لا حصر لها "لماذا انا؟ لم تسير الحياة وفق ذلك؟ ..." ومئات الاسئلة فاصبح في حيرةٍ، لكن سرعان ما أُيقن ان لا جواب لها وان الانسان مُسيّر وأن حياتهُ بكل صغيرةٍ وكبيرةٍ مكتوبة قبل ميلاده. فإنني مؤمنة ولمن الفخر أن اشعر بهذا الشعور الذي يغمرني بالطمأنينة ويجعل الدنيا هذه شيء زائل في.
انني من هؤلاء الذين يُسخِّرون القدسية الكاملة للمساحة الشخصية للفرد، فلي طقوسي الخاصة وتفاصيلي التي لا ارحم من يحاول العبث فيها؛ فهذه المساحة تحوي كل امر صغير خاص بي، بشخصيتي، بتفاصيلي، بذكرياتي التي تتناثر في حلوها ومرها داخل ذهني التي لم ولن اتخلى عنها ابدا.
ختاماً، وكما يقال "قلة الكلام ما قل ودل"، فانا فتاةُ تحدّت وتحدّت وتحدّت حتى وصلت.